القائمة الرئيسية

الصفحات

لسؤال : هل الدولة بحاجة إلى الأخلاق ؟ الدرس : الأخلاق و الاقتصادالطريقة الجدليةالمقدمة : إن الدولة في تنظيم أمورها وتدبير شؤونها، تحتاج إلى هيئة تشرف على تسيير وتنظيم حياة الأفراد داخل إطار
اجتماعي. وهو ما يعرف بالسلطة الحاكمة و هي تعمل على وضع القوانين و تطلب من الأفراد الالتزام بها قصد تحقيق
المصلحة العامة. إلا أن هذه القوانين قد لا تقوى على ضبط العلاقات الاجتماعية ضبطا كاملا، فتنظيم علاقة الفرد بالفرد
من جهة و علاقة الفرد بالجماعة من جهة أخرى يجعل للأخلاق مكانة ودورا في التنظيم السياسي ، فهل الدولة تحتاج
الأخلاق في نظام حكمها أم يكفيها ممارسة العمل السياسي ؟ بمعنى أخر هل يكفي ممارسة السياسة في الحكم دون ما
حاجة إلى الأخلاق ؟
التحليل :
الدولة في غنى عن الأخلاق :
إن الأنظمة الفردية التي سادت قديما لم تعر أدنى اهتمام بالجانب الأخلاقي في الحكم. بل اهتمت كثير بالقوة ، ولعل ذلك يظهر
بوضوح في نظرية العقد الاجتماعي عند (هوبز) ، ونظرية القوة و الغلبة عند (ابن خلدون) في وصفه لكيفية قيام الدول وسقوطها ،
ألا أن ما ذهب إليه المفكر الإيطالي (ماكيافللي) ( )
9251-9641يبعد الأخلاق عن الدولة كونه يعتبر أن القوة المحركة للتاريخ هي
المصلحة المادية والسلطة ويرى في مؤلفة الرئيسي" الأمير" إن الدولة التي تقوم على الأخلاق والدين تنهار بسرعة ، فالمهم بالنسبة
للحاكم هو تحقيق الغاية المنشودة وهي قوة الدولة وسيطرتها بأية وسيلة كانت " الغاية تبرر الوسيلة " حيث كان يعتبر من المسموح
به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي مبررا بذلك القسوة و الوحشية في صراع الحكام على السلطة. كما يرى أن فساد الدولة
وتدهور العمل السياسي يعو إلى تدخل الأخلاق لكن التاريخ يشهد أن مجمل الأنظمة التي قامت على القوة واللاأخلاق
و تخلت عن الأخلاق و تحقيق القيم في الحكم كانت نهايتها الفشل . والدين لذلك يفص ُل ُُُ ُُ ُُ بين السياسة والأخلاق.

12
الدولة بحاجة إلى الأخلاق :
لقد أمن بعض الفلاسفة منذ القديم بضرورة إدخال الأخلاق في العمل السياسي ، فقد نظر (أرسطو) إلى علم الأخلاق على أنه علم
عملي هدفه تنظيم الحياة الإنسانية بتحديد ما يجب فعله وما يجب تركه وهذا لا يتحقق إلا بمساندة القائمين على زمام الحكم باعتبار
أن كثيرا من الناس لا يتجنبون الشر إلا خوفا من العقاب .
ولذلك فقد حدد (أرسطو) غاية الإنسان من الحياة في مستهل كتابه :" الأخلاق إلى نيقوماخوس" على أنها تحقيق "الخير الأعظم"
وبدون معرفته و الوقوف عليه لا نستطيع أن نوجه الحياة.
بينما في العصر الحديث ربط (ايمانويل كانط) ( )
9086-9156فيلسوف ألماني السياسة بالأخلاق ربطا محكما . وبين على
عكس (ماكيافيللي) أن الغاية من وجود الدولة هو مساعدة الإنسان و تحسين ظروف حياته وجعل من السياسة وسيلة لتحقيق غايتها
وهي خدمة الفرد حيث يقول : "يجب أن يحاط كل إنسان بالاحترام التام كونه غاية مطلقة في ذاته"
و قد عمل كانط من خلال كتابه "مشروع السلام الدائم" على أن الحياة السياسية داخل المجتمع الواحد وخارجه يجب أن تقوم
على العدل والمساواة . وقد كان لكتابه تأثيرا على الأنظمة الحاكمة في أوروبا ـ وقد جاء في المادة الأولى من لائحة حقوق الإنسان:
"يولد الناس جمعا أحرار متساوين في الكرامة والحقوق ...." .
وهي قيم أخلاقية يعمل المجتمع الدولي على تحقيقها .
لكن الحياة الواقعية التي يعيشها الإنسان وتعيشها الدول لا تقوم على مبادئ ثابتة بل ممتلئة بالحالات الخاصة التي لا تجعل الإنسان
يرقى إلى هذه المرتبة من الكمال التي يعامل فيها أخيه الإنسان على أنه غاية في ذاته.
الدولة تعتمد على السياسة وتحتاج إلى الأخلاق :
الإنسان مدني بالطبع ، كان لابد أن يعيش الإنسان في جماعة، وأن تكون له مع هذه الجماعة مقتضيات الحياة السعيدة ومن هنا
كان قيام المجتمع بحاجة إلى السياسة لتضع نوع الحكم الملائم له وبحاجة إلى الأخلاق لتنظيم علاقة الفرد بجماعته وبغيره من
الأفراد.
الخاتمة : إن الدولة في حاجة ماسة إلى الأخلاق ، وحتى الدول العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة تتبنى الكثير من القواعد
الأخلاقية في أنظمة حكمها ، فالأخلاق ما هي إلا قانونا في جانبه العملي

تعليقات

التنقل السريع